جبل الأكراد – الحلقة الثالثة والأخيرة: الحالة السياسية

برادوست ميتاني
جبل الأكراد –ح (3) الأخيرة
الحالة السياسية
تتقارب الحالة السياسية لكرد جبل الأكراد في اللاذقية مع الحالة السياسية لكرد سوريا عموماً سواء من خلال دورهم الوطني الشريف الذي أدوه في بناء سوريا قديماً وحديثاً وحاضراً أو عبر دفع فاتورة باهظة طالت أوضاعهم الإنسانية بسبب السياسة العوجاء للأطراف القوموية العنصرية في أنظمة الحكم, كونهم كرداً.
-كرد الجبل في ظل الاحتلال الفرنسي
عاش كرد الجبل أسوة بكرد سوريا كل الظروف التاريخية التي مرت بها الدولة السورية ، ففي عهد الاحتلال الفرنسي وبناء سوريا لامركزية تمكنوا من الحصول على ما يشبه الحكم الذاتي بعد أن فشل الفرنسيون في احتلاله وذلك بعد مشاركتهم للعلويين في حربهم عليه، وكذلك عندما استطاع سكان الجبل مؤازرة والانخراط في ثورة جبل الزاوية 1919-1921م بقيادة الثائر أبراهيم هنانو الكردي الأصل والتي كان معظم ثوارها من بني جلدتهم الكرد وتمكنهم من هزيمة الفرنسيين في معركة التلول الحمر غرب ناحية سلمى التي كان من نتائجها الانتقام الوحشي الفرنسي عندما أحرقوها بالطائرات .
برز من كرد الجبل العديد من الوطنيين منهم زين العابدين الذي شارك الزعيم الكردي أبراهيم هنانو الذي أيضاً ينتمي إلى كرد الجبل في ثورته ضد الفرنسيين وكذلك بالنسبة لنجيب عويد الكردي أيضاً وآخرين.
-كرد الجبل في عهد الحكم الوطني
بعد جلاء الفرنسيين من سوريا1946م ظل كرد الجبل منخرطين في دورهم الاجتماعي والوطني وبرزت منهم شخصيات وطنية أخرى عديدة لهم دور كبير في المنطقة منهم على سبيل المثال وليس الحصر الزعيم نوري حاجي من عشيرة موشان كان زعيم منطقة جبال اللاذقية ويمثلهم عند الحكومات وكان من مؤسسي البرلمان السوري وصار عضواً فيه كما أنه كان عديل رئيس الجمهورية السيد أديب شيشكلي كما أنه كان لكرد الجبل نائب في البرلمان باستمرار.
-كرد الجبل بعد مجيء حكم حزب البعث
دخل كرد سوريا عامة وكرد الجبل خاصة في تلك الحقبة إلى مرحلة صعبة جداً بسبب سياسة حزب البعث القوموية الإقصائية التي دفع بسببها الوضع الاجتماعي للكرد ضريبة باهظة في كل النواحي .فقد عانى جبل الأكراد من الإهمال الشديد وكان معزولا كونهم ينتمون إلى القومية الكردية ويفتقر إلى الخدمات من قبل مؤسسات الدولة لدرجة أن عمل الأهالي بجهودهم ونفقتهم على شق طريق للسيارات فيه تطوعا، وكذلك لم تصل الكهرباء إلى أغلبية قراه إلا متأخراً في الثمانينات، في حين بقيت خدمات توفير المياه والصرف الصحي والاتصالات ممنوعة عنه حتى مطلع الألفية الجديدة، باستثناء ناحيتيْ سلمى وكنسبا اللتان كان وضعهما أفضل نسبيا من غيرهما.
بسبب الظروف المعيشية الصعبة أنتقل بعض الكرد إلى مدينة اللاذقية خاصة في الشتاء للعمل وتأمين لقمة العيش وليعود بعضهم إلى الجبل في فصل الصيف.
-وضع جبل الأكراد أثناء الانتفاضة الكوردية
استمرت السياسات العنصرية للنظام في مضايقة الكرد وقهرهم بسبب هويتهم القومية فكانت نتيجتها الانتفاضة الكوردية في 12 آذار عام 2004م التي انتقلت شرارتها من قامشلو إلى معظم مناطق سوريا , وبدلاً من العلاج كان رد فعل النظام هو أنه لم تكن ملاحقات واعتقالات في المناطق الكوردية في روزافا من سوريا شمالا ً فحسب بل شملت أيضا كورد جبل الأكراد الذين تعاطفوا معها بعد أن سمعوا بها من أخبار الرياضة حيث كان هناك تعتيم إعلامي شديد من قبل النظام و لم يعلموا بوجود الانتفاضة بسب اختصار إعلام الحكومة السورية على جعلها مشكلة عادية فقط , بقولها : “حصلت مشاغبات في ملعب الجهاد في قامشلو, ولكن لا يمكن تغطية الشمس بالغربال إذ علم بها كرد الجبل فتعاطفوا معها ولكن من كان يتحدث بها فمصيره الملاحقة والاعتقال. بالرغم من ذلك فكان لانتفاضة 12آذار وقع قوي على الحس القومي لأهلنا الكرد في جبل الأكراد
-التغيير الديمغرافي للكرد في الجبل
يقدَّر تعداد السكان الكرد في جبل الأكراد بـ120 ألف نسمة وأغلبيتهم تعود أصولهم إلى الكرد السُّنَّة يسكنون قرابة 78 قرية كردية.
لقد فقد الكثير من هؤلاء الكرد لغتهم الأم وذلك نتيجة عوامل عديدة أولاً و في مقدمتها سياسة تعريب الجبل منذ فترة طويلة القائمة على التغيير الديمغرافي والثقافي , إذ تم منع التكلم في الدوائر الرسمية المعربة باللغة الكردية وكذلك غياب المدارس التي تدرس باللغة الكردية وفرض تعليمهم باللغة العربية عنوة وكذلك عدم ذكر أي شيء عن لغة ,ثقافة ,تاريخ و الحضارة الكوردية ودورها الانساني ُ؟ثانياً الثقافة التي تم فرضها سواء من قبل النظام أو من قبل الفكر والطقوس الدينية التي تكون باللغة العربية .ثالثاً نتيجة البعد الجغرافي عن أخوتهم الكرد في روزافا وحلب حيث صعوبة التواصل معهم إجتماعياً ,سياسياً وإقتصادياً من نتائجه أنه لم يوجد انتماء ظاهر لهم في الأحزاب الكردية القومية.
جعلت سياسة التعريب اللغة الكوردية شبه منقرضة ولم يعد يرددها إلا ما ندر من كبار السن حيث أصبحت الأجيال الجديدة تتعايش مع الواقع بثقافة لشخصية غير حقيقية على أنها ذات جنسية عربية سورية بناءً على ما درج في دوائر النفوس الحكومية, ولكن دون النسيان أنهم من أصول كوردية.
-وضع الجبل الحالي
إثر اندلاع الثورة السورية عام 2011م ضد النظام انخرط العديد منهم فيها لأسباب مختلفة منها اجتماعية أساسها الإهمال والعوز والحرمان من الحقوق الشخصية و كذلك قومية حيث شعر البعض منهم في هذا المجال حتى لو لم يكن مؤثراً وملحوظاً بالغبن وأيضاً دينية بدرجة كبيرة أن لم يكن مذهبياً؛ فشكلوا تنسيقيات و فصائل مسلحة وانضموا إلى فصائل المعارضة المسلحة وشهدت مناطقهم معارك ساخنة مع النظام، وهو ما عرض قراهم للقصف العنيف بالطائرات والبراميل المتفجرة وكذلك صارت ساحة لمعارك الكر والفر بين مسلحي المعارضة والنظام , فترك معظم سكان الجبل ديارهم ونزحوا إلى الحدود التركية للإقامة في المخيمات هربا من القصف، أو هجروا خارج سوريا ودول الجوار أو انتقلوا إلى بعض المدن الأمنة نسبياً في سوريا ولم يبق منهم سوى عشرين ألفا حسب إحصائية أعدتها شبكة إعلام الساحل العاملة في المنطقة أن لم نقل أصبح الديار فارغاً وهو الآن بيد النظام وأن السبب في ذلك ليس النظام وحده بل تركيا أيضاً وباتفاقاتها مع روسيا.
-الحس القومي الكردي لكرد الجبل
رغم ممارسة سياسة التعريب الطويلة الأمد تلك بين الأهالي في جبل الأكراد لم ينسوا أنهم كرد ومن أصول كردية ولم يكفّوا عن الافتخار والاعتزاز بأصولهم وميّزاتهم ولا سيما تمسّك الكرديّ بإخلاصه ووفائه بوعوده واشتهاره بالكرم ورباطة الجأش في المواقف الصعبة والتشابه بينهم وبين كرد حلب والجزيرة قوي خاصة في الملامح والدم وفي استعمال الأسماء واللباس ومازالت العديد من الكلمات الكردية دارجة في لغتهم المحكية كالساكو والدو وكذلك لكنة أسماءهم في التصغير المحبب وإضافة حرف الواو على آخرها بالإضافة إلى أسماء العشائر وأصلها ومعناها وأيضاً استخدام القرويين لشال وشابك أي السروال الفضفاض وقميصه.
أما نسيج بروكار فهو علامة كردية مميزة بجدارة لأهلنا الكرد في الجبل حيث كانوا يربون دودة القز التي تنتج الحرير ويرسلونه إلى دمشق فينسجها السيد الكردي برو فصار قماشه مشهوراً ومعروفاً في الأسواق السورية والأوربية باسم بروكار أي كار بر أي عمل برو .
بالرغم من سياسة الظلم والمنع في وجه كردية أهلنا في الجبل ظل الشوق الكردي في نفوسهم مشتعل حيث كان يظهر ذلك الشعور عند قدوم الكرد من حلب وعفرين إلى الجبل وهم يحتفلون بعيد نوروز.
مؤخراً بإحياء الصحوة القومية الحالية في عموم كردستان وخارجها عامة وثورة روزافا خاصة وما آل إليه وضع الكرد من حرية وانتصارات وحدات حماية المرأة ووحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية في وجه الظلام فقد انتعش الشعور القومي الكردي و تحطم جدار الخوف فكان نتيجتها أن أعلن قسم كبير من كرد الجبل في الإعلام و على أرض الواقع جهراً عن كرديته كما عاد بالبعض منهم إلى تعلم لغتهم الكردية وثقافته القومية ومن ثم الفكر السياسي الذي يعبر عن حقوقه القومية في بناء سوريا الديمقراطية.
-العلاقة بين الكرد والمكونات الأخرى في الجبل
إلى جانب الكرد هناك في الجبل أقليات مسيحية وأرمنية وعلوية ومرشدية العلوية وغيرها ,جميعها تتعايش مع بعضها في علاقات اقتصادية واجتماعية قوية كالصداقة والمصاهرة والعمل وغيرها وإلى أبعد من ذلك فأن للكرد في جبل الأكراد صلات مع سكان جبل اللاذقية وجبل التركمان
المراجع :
–جبل الأكراد بسوريا. من الإهمال إلى التدمير-موقع الجزيرة-30-11-2015م
– “-تاريخ وجود الكرد في جبل الأكراد باللاذقية”. أورينت نت. 22 أكتوبر 2020. مؤرشف من الأصل في 2023-06-08. اطلع عليه بتاريخ 2023-06-08.
-أحد زملائي المدرسين من كرد موشان في جبل الأكراد
–-فيديو بصوت وصورة عن جبل الأكراد –وكالة صدى الواقع السوري-22فيراير 2021م
Vedeng
9-7-2024م
19-4-2636كردي